سورة الواقعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)}
{وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي يأخذون خيره وأفضله والمراد مما يرضونه.


{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)}
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} مما تميل نفوسهم إليه وترغب فيه، والظاهر أن فاكهة ولحم معطوفان على {أكواب} [الواقعة: 18] فتفيد الآية أن الولدان يطوفون بهما عليهم، واستشكل بأنه قد جاء في الآثار أن فاكهة الجنة وثمارها ينالها القائم والقاعد والنائم، وعن مجاهد أنها دانية من أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطحعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين، وأن الرجل من أهل الجنة يشتهي الطير من طيور الجنة فيقع في يده مقليًا نضجًا، وقد أخرج هذا ابن أبي الدنيا عن أبي أمامة.
وأخرج عن ميمونة مرفوعًا «أن الرجل ليشتهي الطير في الجنة فيجيء مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولم تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير» إلى غير ذلك، وإذا كان الأمر كما ذكر استغنى عن طوافهم بالفاكهة واللحم، وأجيب بأن ذلك والله تعالى أعلم حالة الاجتماع والشرب، ويفعلون ذلك للإكرام ومزيد المحبة والتعظيم والاحترام، وهذا كما يناول أحد الجلساء على خوان الآخر بعض ما عليه من الفواكه ونحوها وإن كان ذلك قريبًا منه اعتناءًا بشأنه وإظهارًا لمحبته والاحتفال به، وجوز أن يكون العطف على {جنات النعيم} [الواقعة: 12] وهو من باب متقلدًا سيفًا ورمحًا أو من بابه المعروف، وتقديم الفاكهة على اللحم للإشارة إلى أنهم ليسوا بحالة تقتضي تقديم اللحم كما في الجائع فإن حاجته إلى اللحم أشد من حاجته إلى الفاكهة بل هم بحالة تقتضي تقديم الفاكهة واختيارها كما في الشبعان فإنه إلى الفاكهة أميل منه إلى اللحم، وجوز أن يكون ذلك لأن عادة أهل الدنيا لا سيما أهل الشرب منهم تقديم الفاكهة في الأكل وهو طبًا مستحسن لأنها ألطف وأسرع انحدارًا وأقل احتياجًا إلى المكث في المعدة للهضم، وقد ذكروا أن أحد أسباب الهيضة إدخال اللطيف من الطعام على الكثيف منه ولأن الفاكهة تحرك الشهوة للأكل واللحم يدفعها غالبًا.
ويعلم من الوجه الأول وجه تخصيص التخير بالفاكهة والاشتهاء باللحم، وفيه إشارة إلى أن الفاكهة لم تزل حاضرة عندهم ورأى منهم دون اللحم ووجه ذلك أنها مما تلذه الأعين دونه، وقيل: وجه التخصيص كثرة أنواع الفاكهة واختلاف طعومها وألوانها وأشكالها وعدم كون اللحم كذلك، وفي التعبير بيتخيرون دون يختارون وإن تقاربا معنى إشارة لمكان صيغة التفعل إلى أنهم يأخذون ما يكون منها في نهاية الكمال وأنهم في غاية الغنى عنها، والله تعالى أعلم بأسرار كلامه.


{وَحُورٌ عِينٌ (22)}
{وَحُورٌ عِينٌ} عطف على {ولدان} [الواقعة: 17] أو على الضمير المستكن في {مُتَّكِئِينَ} [الواقعة: 16] أو على مبتدأ حذف هو وخبره أي لهم هذا كل {وَحُورٌ} أو مبتدأ حذف خبره أي لهم، أو فيها حور، وتعقب الوجه الأول بأن الطواف لا يناسب حالهن، وأجيب بأنه لا يبعد أن يكون من الحور ما ليس قصورات في الخيام ولا مخدرات هن كالخدم لهن لا يبالي بطوافهن ولا ينكر ذلك عليهن، وأن الطواف في الخيام أنفسها وهو لا ينافي كونهن مقصورات فيها، أو أن العطف على معنى لهم {ولدان وَحُورٌ} والثاني بأنه خلاف الظاهر جدًا، والثالث بكثرة الحذف، و{عِينٌ} جمع عيناء وأصله عين على فعل كما تقول حمراء وحمر فكسرت العين لئلا تنقلب الياء واوًا، وليس في كلام العرب ياءًا ساكنة قبلها ضمة كما أنه ليس فيه واو ساكنة قبلها كسرة.
وقرأ السلمي. والحسن. وعمرو بن عبيد. وأبو جعفر. وشيبة. والأعمش. وطلحة والمفضل. وأبان. وعصمة عن عاصم. وحمزة. والكسائي {وَحُورٌ عِينٌ} بالجر. وقرأ النخعي كذلك إلا أنه قلب الواو ياءًا والضمة قبلها كسرة في {حُورٌ} فقال: وحير على الاتباع لعين وخرج على العطف على {جنات النعيم} [الواقعة: 12] وفيه مضاف محذوف كأنه قيل: هم في جنات وفاكهة ولحم ومصاحبة حور على تشبيه مصاحبة الحور بالظرف على نهج الاستعارة المكنية، وقرينتها التخييلية إثبات معنى الظرفية بكلمة {فِى} فهي باقية على معناها الحقيقي ولا جمع بين الحقيقة والمجاز، وذهب إلى العطف المذكور الزمخشري، وتعقبه أبو حيان فقال: فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، وهو فهم أعجمي وليس كما قال كما لا يخفي أو على {أكواب} [الواقعة: 18] ويجعل من باب متقلدًا سفيًا ورمحًا كما سمعت آنفا فكأنه قيل: ينعمون بأكواب وبحور، وجوز أن يبقى على ظاهره المعروف، وأن الولدان يطوفون عليهم بالحور أيضًا لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول والمشروب والمنكوح كما تأتي الخدام بالسراري للملوك ويعرضوهن عليهم، وإلى هذا ذهب أبو عمر. وقطرب، وأبى ذلك صاحب الكشف فقال: أما العطف على {الولدان} [الواقعة: 17] على الظاهر فلا لأن الولدان لا يطوفون بهن طوافهم بالأكواب، والقلب إلى هذا أميل إلا أن يكون هناك أثر يدل على خلافه، وكون الجر للجوار يأباه الفصل أو يضعفه. وقرأ أبيّ. وعبد الله وحورًا عينًا بالنصب، وخرج على العطف على محل {مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ} لأن المعنى يعطون أكوابًا وحورًا على أنه مفعول به لمحذوف أي ويعطون حورًا أو على العطف على محذوف وقع مفعولًا به لمحذوف أيضًا أي يعطون هذا كله وحورًا، وقرأ قتادة {وَحُورٌ} بالرفع مضافًا إلى {عِينٌ}، وابن مقسم {وَحُورٌ} بالنصب مضافًا، وعكرمة وحوراء عيناء على التوحيد اسم جنس وبفتح الهمزة فيهما فاحتمل الجر والنصب.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10